• عدد المراجعات :
  • 1104
  • 11/25/2007
  • تاريخ :

تحصيل الزاد ببيع ما يحتاج إليه

مکه
مسألة 25 ـ لا يجب بيع ما يحتاج إليه من ضروريات معاشه ومعاش عياله لتحصيل الزاد والراحلة بحيث يقع ببيعه وصرفه في ذلك في العسر والحرج .

فلا يجب عليه بيع دار سكناه والأثاث والثياب والفرش والأواني ، والسيارة اللائقة بحاله للركوب ، وآلات الصنايع المحتاج إليها ، ورأس ماله للتجارة المتقوّم بها أمر معاشه ومعاش عياله ، وغير ذلك مما يقع ببيعه في الحال والاستقبال في الحرج ، ومن ذلك الكتب المحتاج إليها، سواء كانت دينية أو غير دينية، كالكتب الطبية للطبيب، وكذا حُليّ المرأة إذا كان ترك التزيّن بها حرجياً لها.

هذا، مضافاً إلى ما يستفاد من بعض الروايات من تفسير السبيل المذكور في الآية الشريفة بالسعة في المال واليسار ، مثل ما رواه الكليني بإسناده عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد  عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي قال : « سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ؟ فقال : ما يقول الناس ؟ قال : فقلت له : الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : قد سئل أبو جعفر (عليه السلام)عن هذا فقال : هلك الناس إذاً لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم ( إليه ) فيسلئهم ( فيسلبهم ) إياه لقد هلكوا إذاً ، فقيل له : فما السبيل ؟ قال : فقال : السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضاً لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم » .

وما رواه البرقي عن عبدالرحيم القصير في الرواية التي تقدم ذكرها قال (عليه السلام)في تفسير الآية الشريفة : « ذلك القوة في المال واليسار » .

ومقتضاهما عدم صدق الاستطاعة على من يقع في الحرج ببيع ماله; لأنها مفسّرة فيهما بالسعة واليسار .

وممّا يدلّ أيضاً على اعتبار الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش  عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث شرايع الدين قال : « وحج البيت واجب ( على من ) استطاع إليه سبيلا، وهو الزاد والراحلة ومع صحة البدن، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه من حجه » .

والظاهر أن من يبيع الضروريات المذكورة لا يكون له ما يرجع إليه من حجه . وأما الرواية الخامسة من هذا الباب عن مجمع البيان فالظاهر أنها ليست رواية مستقلة، بل هي نقل مضمون سائر الروايات . والله هو العالم .

بيع دار مملوكة إذا كان بيده دار موقوفة 

مسألة 26 ـ إذا كان له دار مملوكة وكان بيده دار موقوفة تكفيه سكناه وسكنى عياله الظاهر أنه يجب عليه بيع المملوكة لصرف ثمنه في الحج لصدق، الاستطاعة حينئذ إذا كان ثمنها وافياً لمصارف الحج أو متمِّماً لمصارفه .

نعم، إذا كان السكنى في الدار الموقوفة منافياً لشأنه وكان ذلك حرجاً عليه لا يجب بيع المملوكة ، وهكذا الحكم في سائر ما يحتاج إليه من الكتب وغيرها .

هذا إذا كانت الدار الموقوفة بيده ، وأما إذا لم تكن فعلا بيده وكان الوقف عاماً فإما أن يكون السكنى فيها غير موقوفة بإذن أحد ويتمكن من السكنى فيها بدون السؤال وتحصيل الإذن من أحد من غير تحمل مهانة وحرج فالظاهر حصول الاستطاعة له، فمثلا ينتقل إلى المدرسة من داره .

وأما إذا كان للوقف قيّم وكان السكنى فيه محتاجاً إلى السؤال وتحصيل الإذن من قيمِّه فالظاهر عدم وجوب الاستيذان منه; لأنه من تحصيل الاستطاعة كما، إذا علم أن شخصاً يبذل له ما يحج به إن سأله ذلك فإنه لا يجب عليه السؤال، بخلاف ما إذا بذل له ابتداءً من غير السؤال .

لو أمكنه الاعتياض عمّا يملكه

مسألة 27 ـ قال في الجواهر : ( والأقوى وجوب البيع ( يعني وجوب بيع دار السكنى وأمتعة منزله وغيرها من ضروريات معاشه ) لو غلت وأمكن بيعها وشراء ما يليق به من ذلك بأقل من ثمنها، كما صرح به في التذكرة والدروس والمسالك وغيرها، لما عرفت من أن الوجه في استثنائها الحرج ونحوه ممّا لا يأتي في الفرض، لا النص المخصوص كي يتمسك بإطلاقه ) .

وما ذكره هو الوجه في ذلك ، ومنه يظهر وجه المناقشة فيما قيل من عدم وجوب الإستبدال إذا كانت لائقة بحاله ، لحصول الاستطاعة، وانحصار الدليل لاستثنائها بالحرج دون النص الذي يمكن التمسك بإطلاقه .

كما يظهر المناقشة أيضاً في كونه كالكفارة التي لا يجب بيع خادمه المملوك بمن كان قيمته أقل من غير حرج عليه، فإن العتق له فيها بدل، بخلاف المقام .

نعم، في كفارة الجمع إن قلنا بعدم وجوب الاستبدال يمكن أن يقال بعدم الفرق بين المقامين، إلا أنه يمكن القول بوجوبه هناك أيضاً إن تعين العتق .

وأما التمسك بأصالة عدم وجوب الاعتياض ووجود الحرج ففيه ما لا يخفى .

وأما التفصيل بين كون الزيادة قليلةً جداً بحيث لا يعتنى بها ـ كما في العروة ـ فلا أرى له وجهاً; لأنه لا فرق بين الزيادة القليلة والكثيرة إذا أمكن أن يحج بكل منهما، وإن لم يمكن بالقليلة فهي خارجة عن محل الكلام . والله تعالى هو العالم .

من كان له ثمن المستثنيات

مسألة 28 ـ إذا لم يكن عند الشخص أعيان المستثنيات المذكورة لكن كان له أثمانها فهل يستثنى له أو يجب عليه الحج ؟

مقتضى ما استظهرناه من الأدلة من التوسعة في أمر الاستطاعة واعتبار السعة في المال واليسار في حصولها ، عدم حصولها إذا لم يكن له ما يزيد على ضروريات معاشه التي يقع فيها بالحرج والمشقة ببيعها لتحصيل نفقة الحج من الزاد والراحلة; لعدم كونه ذا سعة و يسار عرفاً ، فمن ليس له إلا دار سكناه وأثاث بيته لا يعدّ عند العرف من أهل السعة واليسار .

والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أعيان هذه الضروريات وبين أثمانها ، فمن لم يكن عنده إلا ما يكفي شراء ضروريات بيته ومعيشته ليس أيضاً من ذوي اليسار والسعة المالية ، ولا يمكن له صرف هذه الأثمان في غيرها إلا بتحمل الضيق والعسر والحرج ، ولذا إن حج بصرفها في نفقته لا يجزيه عن حجة الإسلام ، كما أنه إن لم يصرف هذه الأثمان في ضرورياته وادخرها لا نقول بوجوب حجة الإسلام عليه ، فهو ليس مستطيعاً ولم يجب عليه الحج; لعدم حصول الاستطاعة التي هي شرط للوجوب بما عنده .

وعلى هذا لا تصل النوبة إلى التمسك بقاعدة نفي الحرج لرفع وجوب صرف أعيان هذه الضروريات أو أثمانها في الحج ، لأن ذلك فرع وجود إطلاق لدليل الوجوب يشمل صرفها في نفقة الحج .

هذا بحسب ما بنينا عليه في المسألة ، أما بناءً على ما بنى عليه جماعة من الأعاظم من شمول أدلة الاستطاعة من كان عنده أعيان الضروريات المذكورة فلابد من التمسك بقاعدة نفي الحرج لنفي وجوب بيعها لنفقة الحج; لوقوعه ببيعها في العسر والحرج .

والظاهر أنه لا فرق بين أعيان الضروريات وأثمانها في الاستثناء ، فلا يجب ـ كما عن الدروس والمسالك وغيرهما ـ صرفها فيها ، وعن المدارك أنه استجوده إذا دعت الضرورة إليه ، إذاً لا فرق بين الصورتين لحصول الحرج والعسر بصرف الأثمان في نفقة الحج، كما يحصل ببيع الأعيان، فوجوب صرف كلٍّ منهما مرفوع بالحرج .

ثم على هذا المبنى هل يسقط الحج برفع وجوبه بالحرج إن تحمل المشقة والحرج وادّخر أثمان هذه المستثنيات ؟ فيه وجهان :

من أنّ الحرج إنما يحصل بترك صرف الأثمان في هذه الضروريات ، سواء حصل بادخارها أو بصرفها في الحج فهو مقدم عليه وحاصل لا محالة ، وإن لم يصرفها في الحج فلا يكون الحرج الحاصل له بنفقتها في الحج رافعاً لوجوبه ، لأنه لو لم ينفقها في الحج يدخرها ويتحمل الحرج فالحرج حاصل على كلتا الصورتين .

هذا، مضافاً إلى أن الحرج مستند إلى ترك صرف الأثمان في الضروريات ، وهو يحصل بادخار الأثمان أو إنفاقها في الحج ، وفرق ظاهر بين من ترك صرف الأثمان في المستثنيات بصرفها في الحج وبين من صرفها في الحج وتُرِكَ به صرفها في المستثنيات ، فإنه في الأول المقصود بصرفها في الحج ترك صرفها في المستثنيات، وفي الثاني المقصود صرفها في الحج الذي يترك به صرفها في المستثنيات دون أن يكون مقصوداً بالأصالة ، والحرج الحاصل من الأول غير مستند إلى الحكم الشرعي وموضوعه، بل هو مستند إلى ما هو الجامع الذي يحصل بالادخار وبالصرف في الحج وهو ترك الصرف في المستثنيات الذي هو المقصود ويكون حرجياً دون الثاني ، فإن الحرج حاصل من مقصوده ، وهو صرف الأثمان في الحج .

نعم، الحكم بوجوب الحج في الصورة الاُولى هو الحكم باختيار الصرف في الحج لحصول ما هو مقصوده، يعني ترك الصرف في المستثنيات دون الإدخار .

وكيف كان فالحرج الحاصل من ترك صرف الأثمان ليس مستنداً إلى الحكم الشرعي; لأنه لم يتعلق به الحكم الشرعي، بل مستند إلى إقدام المكلف وعزمه بترك صرف الأثمان في الضروريات، فتأمّل .

ومن أنّ عزم المكلف على ترك صرف الأثمان في المستثنيات لم يكن لإرادته نفس الترك وتعلق قصده ابتداءً به، بل لادّخارها، ولتكون الأثمان باقية عنده، فمتعلق إرادته هو ادخار الأثمان، فالحرج المتحمل منه يكون للادخار المذكور لا مطلقاً، وعليه يكون الحرج الحاصل بصرفها في الحج غير ما أقدم عليه وهو الحرج الحاصل من ادخارها وحفظ الأثمان باقية عنده، فعلى هذا يرتفع الحكم بوجوب الحج وصرف الأثمان فيه بقاعدة الحرج وإن تحمل الحرج وادخر نقوده .

وعلى هذا يمكن أن يقال : إنه إما لا يتمكن من صرف نقوده في ضرورياته لأمر من الاُمور كمنع مانع منه أو عدم وجودها بالفعل ، مع أنه في الحال واقع في حرج عدمها بالضرورة، فلا ريب في أنه يجب عليه صرفها في الحج لعدم وقوعه به في حرج غير ما هو واقع فيه والذي لا يستند إلى وجوب الحج عليه .

وإما يكون عازماً على عدم صرف ما عنده من النقود في ضرورياته وتحمل حرجه لادخارها مع تمكنه من صرفها فيها، فهو يتحمل الحرج لتكون النقود باقية عنده ، فإن لم يصرفها فيها وادخرها يكون الحرج مستنداً إلى نفسها، ولكن لا يمنع ذلك من كون حكم الشارع بصرفها في الحج حرجياً لوقوعه فيه به، واستناد الحرج الذي يقع فيه بصرف النقود في الحج إلى حكم الشارع فهو مرفوع عنه، فما يتحمل من الحرج لادخار النقود غير ما يقع فيه منه بصرفها في الحج .

وإما يكون عازماً على عدم صرفها في ضرورياته . وبعبارة اُخرى: كان عازماً على عدم تحصيل هذه الضروريات، سواء كان ذلك بادخار النقود أو صرفها في غير الضروريات ، فهو إن لم يصرفها في الحج لا يصرفها في ضرورياته على كل حال، ففي هذه الصورة يمكن أن يقال بوجوب الحج عليه; لعدم استناد الحرج الواقع فيه بحكم الشارع لإقدامه بنفسه عليه .

اللهم إلا أن يقال بأن إقدام المكلف بالأمر الحرجي لا يخرج الأمر به عن كونه أمراً بالأمر الحرجي، كما لا يخرج الإقدام في الصوم الحرجي بالإمساك عن كون الحكم بوجوبه حرجياً وأمراً بالفعل الحرجي، ولكن سيأتي الجواب عن ذلك إن شاء الله تعالى .

وبالجملة: فلا يمنع تحمله الحرج لإرادة ادخاره النقود من كون الحكم بوجوب الحج حرجياً ومرفوعاً بقاعدة الحرج، بخلاف ما إذا أراد عدم تحصيل الضروريات بأن يعيش بدونها عيشاً حرجياً ضنكاً مطلقاً ، فإنه يمكن أن يقال في هذه الصورة بعدم رفع الوجوب بالقاعدة لأنه أقدم عليه، سواء كان صرف النقود في الحج واجباً عليه أم لا يجب .

إذا كان عنده مال لايفي إلا بأحد الأمرين : الحج والنكاح

مسألة 29 ـ إذا لم يكن له إلا قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلى النكاح فهل يجوز صرفه فيه، أو يجب صرفه في الحج مطلقاً ، سواء كان ترك النكاح حرجاً عليه، أم لا ، أو يجوز صرفه في النكاح إذا كان تركه حرجاً عليه فيرتفع وجوب الحج بالحرج الرافع للأحكام ؟

قال الشيخ (قدس سره) في الخلاف : ( إذا وجد الراحلة ولزمه فرض الحج ولا زوجة له بدأ بالحج دون النكاح، سواء خشي العنت أو لم يخش ، وقال الأوزاعي : إن خشي العنت فالنكاح أولى، وإن لم يخف العنت فالحج أولى . وقال أصحاب الشافعي : ليس لنا فيه نص ، غير أن الذي قاله الأوزاعي قريب . دليلنا: قوله تعالى : ( ولله على الناس . . . )وهذا قد استطاع ، فمن أجاز تقديم النكاح عليه فعليه الدلالة ; على أن الحج فرض عند وجود الزاد والراحلة وحصول كمال الاستطاعة بلا خلاف، وهو على الفور عندنا على ما سنبينه ، والنكاح مسنون عند الأكثر فلا يجوز له العدول من الفرض إلى النفل إلا بدليل )  وقال في المبسوط أيضاً نحوه مختصراً.

وقال في التذكرة : ( لو احتاج إلى النكاح وخاف على نفسه العنت قدَّم الحج ، لأنه واجب والنكاح تطوع ويلزمه الصبر ، وقال بعض العامة : يقدَّم النكاح; لأنه واجب عليه ولا غنى به عنه ، فهو كنفقته ، ونمنع الوجوب ، ولو لم يخف العنت قدم الحج إجماعاً ). وفي محكيِّ تحريره : ( أما لو حصلت المشقة العظيمة فالوجه عندي تقديم النكاح).

وقال في الشرايع : (ولو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وإن شق تركه ، وكان عليه الحج ).

وقال الشهيد في الدروس : ( لو لم يجد هذه المستثنيات وملك ما لا يستطيع به صرف فيها ولا يجب الحج إذا لم يتسع المال . أما النكاح تزويجاً أو تسرياً فالحج مقدم عليه ، وإن شق تركه إلا مع الضرورة الشديدة ) .

وقال سيد المدارك : ( ولو حصل له من ترك النكاح ضرر شديد لا يتحمل مثله في العادة أو خشي منه حدوث مرض أو الوقوع في الزنا قدم النكاح ، كما صرح به العلامة في المنتهى ).

وقال في الحدائق : ( ولم أقف في المسألة على خبر بالخصوص ) .

أقول : لم أجد في كلام مَن تقدم على الشيخ (رحمه الله) ذكراً لهذه المسألة، والجمع بين كلمات من تعرض لها وتحصيل مراداتهم لا يخلو من الإشكال ـ وإن تكلفه بعض أعاظم العصر  ـ فإنهم بين من قدم الحج مصرحاً بعدم الفرق بين خشيته العنت وعدمها أو حصلت له المشقة بترك النكاح ، وبين من قيد ذلك بعدم الضرورة الشديدة والمشقة العظيمة ، ومنهم من قيده بحصول الضرر الشديد، أو خوف حدوث المرض، أو الوقوع في الزنا .

ويختلف استدلالهم على ذلك أيضاً، فيظهر من بعضهم أن تقديم الحج على النكاح لتقديم الواجب على المسنون مع أن النكاح أيضاً قد يجب ، ويظهر من بعضهم الاستدلال على ذلك بحصول الاستطاعة ، وكأنّ بعضهم تمسك بقاعدة نفي الضرر، وبعضهم بنفي الحرج لرفع وجوبه إذا حصل الضرر والمشقة بترك النكاح ، ولعله لا يظهر دليل لاستثناء من استثنى من وجوب الحج خوف الوقوع في الزنا بترك النكاح ، اللهمّ إلاّ أن يكون دليله عدم حصول الاستطاعة ، ثم إرجاع كلمات بعضهم إلى بعض إن أمكن لا يتمّ في الجميع .

وأما دليل ما اختاره العامة فيظهر من كلماتهم، ولعلّ المتّجه منها على رأي من يقول بحصول الاستطاعة بالمقدار المذكور هو ما اختاره الأوزاعي وقربه الشافعي لو حمل الأولوية المذكورة في كلامه على التعيين والوجوب ، والعنت على القدر الحرجي منه .

وكيف كان فبناءً على حصول الاستطاعة بما يكفي الحج أو النكاح لابد على مختار جماعة من أعاظم المتأخرين الإستثناء من وجوب الحج إذا كان ترك النكاح حرجياً أو ضررياً، وإلاّ فيقدم الحج على النكاح إجماعاً كما ادعاه العلامة (رحمه الله) إلاّ أننا

لم نتحققه .

ويمكن أن يقال : إنّه لا ريب في اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة ، وإنها ليست عقلية أو عرفية ، بل هي استطاعة خاصة شرعية اشترط وجوب الحج بها: إما لتعظيم أمر الحج، أو للتوسعة على المكلفين، أو غير ذلك مما لا نعلمه ، فلابد في معرفة المراد منها الرجوع إلى الشارع المقدس ، ولا ريب أن إطلاق مثل قوله (عليه السلام) : «له زاد وراحلة » مقيد باُمور اُخرى .

مضافاً إلى أن تفسير الاستطاعة بخصوص ذلك لا يزيد على ما يستفاد من لفظها ، فإن امتثال مثل هذا التكليف الذي يتوقف في الأكثر على طيِّ المسافات البعيدة والسفر من البلاد النائية يحتاج إلى الزاد والراحلة بحسب النوع فليس،

اعتبار ذلك واشتراط وجوب الحج به أمراً زائداً بزيادة يعتنى بها على ما اشترط به سائر التكاليف .

ومن جانب آخر فسِّرت الاستطاعة في الروايات بالسعة في المال واليسار ، وهي أعم من ذلك ، وتقييد السعة في المال بالزاد والراحلة أيضاً خلاف الظاهر; لعدم صدق اليسار عند العرف على من لا يجد غيرهما ، فإذا قلنا بأن السعة في المال لا تصدق على من ليس عنده إلا المسكن الذي يسكن فيه وخادمه وما يحتاج إليه في ضروريات معاشه أو أثمانها لا تصدق أيضاً على من لا يجد أكثر من نفقة الزواج، والحال أن الاحتياج إليه لا يقلّ من الاحتياج إلى بعض المستثنيات لو لم يكن أكثر .

إذاً يصير مفهوم الاستطاعة مجملا لا إطلاق له، كما أن الأمر كذلك في السعة في المال واليسار فإنه يختلف بنظر العرف فلابد من الأخذ بالقدر المتيقن ، وهو ما إذا كان له ما يكفيه للحج زائداً على ذلك ، ونجري البراءة عن التكليف إذا لم يكن له هذه السعة المالية .

ومع ذلك حيث لم يذهب إلى هذا من تعرض من الفقهاء للمسألة، واختار كلهم تقديم الحج على النكاح إذا لم يكن تركه حرجياً بل مطلقاً فلا يجوز ترك الاحتياط إذا لم يكن ترك النكاح حرجياً فيأتي بالحج مقدماً له على النكاح ، ثم يأتي به بعد ذلك إن حصل له من المال ما يكفيه للحج بعد النكاح، أو يعمل على صورة يحصل له اليقين بوقوع حجه حجة الإسلام . والله هو العالم .

من كان له دين ويستطيع لو اقتضاه

مسألة 30 ـ إذا لم يكن عنده ما يحج به ولكن كان له على شخص دين يكفيه مؤونة حجه، أو بضم ما عنده من المال وكان الدين حالاًّ والمديون باذلا فالظاهر حصول الاستطاعة له بذلك ، فيجب عليه اقتضاء الدين والحج .

لعدم الفرق في صدق الاستطاعة بين أن يكون عنده نفس الأعيان الخارجية التي يحتاج إليها لأداء الحج أو قيمتها، كما لا فرق في ذلك بين أن يكون مالكاً لها في وعاء الخارج أو في ذمة الأشخاص أو عند البنك ، مثل أن تكون له في ذمة شخص سيارة أو طائرة يمكن له الحج بها .

إذا كان له دين حالّ وامتنع المديون الموسر من أدائه

مسألة 31 ـ إذا كان الدين حالاًّ والمديون موسراً ممتنعاً من أدائه فهل يجب على الدائن إجباره على الأداء بالرجوع إلى الحاكم الشرعي ـ سواء كان منكراً أو مماطلا ـ والفرض أنه يكفيه لأداء الحج، أم لا ؟

الظاهر وجوب ذلك ، لصدق الاستطاعة وأن له المال وتمكنه من التصرف فيه وصرفه في الحج بالرجوع إلى من يجبره على الأداء ، ولا فرق في ذلك بين الدين وبين ما كان ماله عنده أمانة ، أو وقع في يده بسبب من الأسباب فإن عليه أن يستردّه ولو بالرجوع إلى الحاكم ، وليس ذلك من تحصيل الاستطاعة، فهو كمن يعلم أن له جوهرة نفيسة غالية مدفونة في مكان معلوم، أو مذخورة في الصندوق ولكن استخراجها متوقف على تحصيل المعول وحفر الأرض أو تحصيل المفتاح وفتح الصندوق ، فمثله مستطيع عند العرف له المال واليسار ، نعم إذا كانت تلك الجوهرة مشكوكة الوجود أو غير معلومة الحصول عند العرف فالظاهر أن الفحص عنها وطلبها من تحصيل الاستطاعة فلا يجب .

إذا كان ماله ديناً مؤجّلاً والمديون يبذله مع الاستدعاء أو بدونه

مسألة 32 ـ إذا لم يكن الدين معجّلا وكان مؤجّلا لكن يبذله المديون ابتداءً أو إن استدعي ذلك منه فهل يجب ذلك عليه ؟

يمكن أن يقال : إن المسألة تطرح في صورتين :

إحداهما: أن يكون المديون باذلا للدين ابتداءً كأن جاءبه إياه ، فقال فيه في الجواهر : ( ولو كان مؤجلا وبذله المديون قبل الأجل ففي كشف اللثام : وجب الأخذ، لأنه بثبوته في الذمة وبذل المديون له بمنزلة المأخوذ ، وصدق الاستطاعة ووجدان الزاد والراحلة عرفاً بذلك ، وفيه: أنّه يمكن منع ذلك كله ، نعم لو أخذ صار به مستطيعاً قطعاً ) .

أقول : هذا من غريب الكلام; لأنّ بذل الدين لا يقل من البذل المجاني للحج ، سيما إذا كان الدئن قرضاً وقلنا بوجوب قبوله على الداين إذا أداه المديون قبل حلول الأجل ، فالظاهر أنه لا إشكال في حصول الاستطاعة بذلك .

وثانيهما : أن يكون بذلُه الدينَ باستدعاء الدائن ، فهل تحصل الاستطاعة له فيجب عليه استدعاؤه، أم لا فهو من قبيل تحصيل الاستطاعة ؟

بعض الأعاظم اختار وجوب المطالبة والاستدعاء ، لصدق الاستطاعة ، وأن له ما يحج به بالفعل ، وهو متمكن من صرفه فيه ولو بالمطالبة .

واختار سيد الأعاظم البروجردي (قدس سره) عدم وجوب الاستدعاء ، وكأنه حمل كلام صاحب الجواهر (قدس سره) على هذه الصورة دون الصورة الاُولى أو الأعم منها ومن الثانية. وكيف كان فقال ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في توجيه ما اختاره صاحب الجواهر بناءً على ما استظهره من كلامه وهو المنع من صدق الاستطاعة ووجدان الزاد والراحلة إذا كان المديون باذلا باستدعاء الدائن : ( لأنه وإن كان مالكاً للدين فعلا لكنَّ استحقاق الغريم تأخير أدائه مانع من حصول الاستطاعة وهو غير واجب ) .

وهذا هو الأقوى ، وفرق ظاهر بين ما إذا كان الدين حالاًّ وكان للدائن استحقاق المطالبة به فإنه يتحقق به الاستطاعة وما إذا كان الدين مؤجلا لا يستحق الدائن مطالبته من المديون وكان المديون مستحقاً لتأخير أدائه7 كالمالك الذي له بذل ماله ويبذل ماله للحج إن استدعي منه ، فالاستدعاء من الغريم ترك حقه وبذل الدين مثل الاستدعاء من المالك بذل ماله تحصيل للاستطاعة، وهو غير واجب . والله هو العالم .


نوع الحج الواجب بالبذل

إذا بلغ الصبي بعد الإحرام وصار مستطيعاً

إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على مورثهم

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)